ليس هدفنا في هذا الموضوع تحقيق موقعي اليمامة والخضرمة فهذا أمر أصبح محققاً بجهود علمائنا بدئاً بحمد الجاسر رحمه الله ثم عبدالله الخميس في معجم اليمامة ثم عبدالله الشايع في كتابه حجر اليمامة.
في هذا التقرير سنصحبكم في رحلة تاريخية عبر الزمن نحاول فيها ان نرصد مامر على هذه المنطقة من تبدل في الأحوال والأسماء.
يجب ملاحظة ان تقلص الأسماء من دلالة على منطقة ضخمة الى دلالة على جزء صغير منها وكذلك تبادل الأسماء بين منطقتين متجاورتين أمر معروف في مناطق الجزيرة العربية .وأوضح مثال منطقة البحرين فقد كانت تعني مانسميه المنطقة الشرقية شاملة هجر(الحساء) والخط(القطيق) وجزيرة أوال ثم تقلص الى دلالة على جزيرة أوال فصارت تسمى البحرين,مثال آخر وادي التسرير تقلص من اسم يطلق على وادي ضخم وهو وادي الرشاء تقلص الى اسم لشعيب صغير يرفد الوادي
ولو أخذنا بلدة اليمامة المعروفة حالياً في منطقة الخرج كمثال على ظاهرة تبدل الأسماء وتقلصها وتمددها عبر القرون لتعجبنا من حال هذه البلدة الموغلة في القدم فقد كانت تسمى جو ثم جو الخضارم ثم سميت اليمامة ثم هربت اليمامة لتشمل منطقة ضخمة وسميت الخضرمة ثم في القرون الأخيره عاد اليها اسم اليمامة من جديد واختفت كلمة جو وكلمة الخضرمة,أما جارتها الدلم فقد كانت تسمى الخرج ثم توسعت هذه الكلمة لتشمل المنطقة كاملة تاركة بلدة الخرج لتسمىالدلم. !.
الواحات الرئيسة في بلاد الخرج واللون الأحمر يرصد النشاط الزراعي.
صورة جوية أخرى توضح الأماكن الواردة في البحث
1.وادي حنيفة
2.وادي نساح
3.السلمية
4.اليمامة(الخضرمة)
5.السيح (مدينة الخرج الان)
6.الضبيعة
7.نعجان(الملحاء)
8.الدلم (الخرج قديماً)
9.رملة المغسل
10.الدام
11.رأس الكلب
لاشك ان ما يسمى الآن منطقة الخرج هي موطن استيطاني قديم تناوب على سكنى نواحيها أمم وأمم ولعل المقابر الركامية القديمة جداً في القصيعة (الدام) وفرزان لدليل على ذلك .
وحتى تُستكمل اعمال التنقيب فإن معلوماتنا عن الخرج في فترة مافبل التاريخ تظل محدودة.
لو جئنا لفترة مابعد التاريخ فإن أقدم ما أطلعت عليه(ان صدقت القراءة) نقش يمني عثر عليه في عَبَدان باليمن منذ عهد قريب يدون تاريخ أقيال حمير وأخبار حملتهم العسكرية في منتصف القرن الرابع الميلادي وتمثل هذه الحملات اندفاع الحميريين نحو الشمال وأهم حملات الحميريين التي يذكرها النقش هي تلك التي بلغت مناطق اليمامة والبحرين .وهذا النقش يدل على تدخل ملوك اليمن في الخرج ذلك الوقت,وهذا يؤيد مايتداوله عرب الجاهلية من قصص عن طسم وجديس وعن حملات ملوك اليمن وتبّع للسيطرة على نواحي نجد..
ويتناقل الاخباريون قصص مطولة عن قبيلة طسم التي كانت تقيم في حَجر(الرياض حالياً) وقبيلة جديس التي تقيم في جو(بلدة اليمامة بالخرج)وما كان بينهما من عداوة وتنافس وأغلب المرويات يشوبها المبالغة والوضع لكن يبقى أصل القصة صحيح.
ملخص مارووا ان جديس غلبت طسم فذهب شخص من طسم الى اليمن ليستعين بملكها على حرب جديس أهل جو
ويبدو ان ملك اليمن وافق ليستولي على هذه المنطقة وينهب خيراتها فقاد جيشه ومعه رجال من طسم ثم لما اقتربوا من بلدة الدلم(الخرج) قال رجل من طسم لملك اليمن :إن لي أختاً متزوجة في جديس،(وكانت عاصمتها بلدة جو) يقال لها: اليمامة، ليس على وجه الأرض أبصر منها، إنها لتبصر الراكب من مسيرة ثلاث، وإني أخاف أن تنذر القوم بك، فمر أصحابك فليقطع كل رجل منهم شجرة فليجعلها أمامه ويسير وهي في يده، فأمرهم حسان بذلك، ففعلوا، ثم سار فنظرت اليمامة، فأبصرتهم وهم عند جبل الكلب المعروف الى الآن فقالت لجديس: لقد سارت حِمير. فقالوا: وما الذي ترين? قالت: أرى رجلاً في شجرة، معه كتف يتعرقها، أو نعل يخصفها. فكذبوها، وكان ذلك كما قالت، وصبحهم حسان فأبادهم وأخرب بلادهم وهدم قصورهم وحصونهم.
ثم ان الملك اليمني أمر بالفتاة المسماة زرقاء اليمامةففقئت عيناها، فإذا فيها عروق سود، فقال لها: ما هذا السواد في عروق عينيك? قالت: حجر أسود يقال له الإثمد، كنت أكتحل به. وكانت فيما ذكروا أول من اكتحل بالإثمد، فأمر بأن تسمى هذه البلدة جو اليمامة.
وقد قالت الشعراء من العرب في ملك اليمن ومسيره هذا، فمن ذلك قول الأعشى:
كذلك روى الأخباريون أبياتاً قالها ملك اليمن بعد فتحه لجو وتدميرها ومن المؤكد انها مختلقة لكنها أبيات جيدة على كل حال, يقول:
وصدق حدس الشاعر فهانحن بعد هذه القرون نسينا اسم جو تماماً وبقي اسم اليمامة تلك الفتاة المسكينة يطلق على هذه البلدة القديمة.
—–
قبيل الاسلام عادت بلدة جو مركزاً مهماً لبني حنيفة وكانت مقراً لهوذة بن علي الذي يعتبر ملك اليمامة وزعيمها وهو ممن بعث لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالةً للدعوة.
وقد مدحه الشاعر الأعشى(صاحب منفوحة) بأبيات مشهورة في مطلع قصيدته التي يقول فيها
ثم بعد الاسلام توسع مدلول اليمامة ليصف منطقة تشمل أودية العارض ونواحيها خصوصاً أماكن قبيلة بني حنيفة وكلنا يعلم قصة ثمامة بن أثال ووفوده على الرسول صلى الله عليه وسلم ومسيلمة الكذاب ثم حروب الردة وأخبارها.
ولا نعلم عن أهل جو والخرج وموقفهم من الردة.
ثم تذكر كتب التاريخ ان مجّاعة بن مرارة الحنفي وفد على ابي بكر الصديق رضي الله عنه فأقطعه الخضرمة ثم قدم على عمر رضي الله عنه فأقطعه الزباء(وهي أحد عيون الخرج كما سنرى)
والخضرمة هذه جزء من جو وتقع في شرقها ومن هذا العهد بدأ استخدام كلمتي الخضرمة و جو للدلالة على نفس البلدة .
في عهد معاوية رضي الله عنه مر بالخرج تطور زراعي كبير فقد ذكر المؤرخون ان معاوية جعل فيها من الرقيق ما عدتهم وعدة أبنائهم ونسائهم أربعة آلاف ويقال كانوا أربعة الاف بيت ,ولا شك ان هذا العدد الضخم كان لهم دور في احياء منطقة الخرج زراعياً ومن المرجح انهم وراء انشاء القنوات المائية تحت الأرض(الفقار)حيث تمتد من عيون فرزان ومن عين السيح شرقاً لتسقي الخضرمة وما حولها.
ويبدوا لي ان ريع هذه المزارع الضخمة كان كبيراً وشمل كثيرا من بني أمية حتى ان عمر بن عبدالعزيز عندما تولى الخلافة قام برد أمواله منها تورعاً وكانت في البسيطة(لعلها الوسيطا) – قال عنها أحد الرواة: وهي باليمامة وهي أمر عظيم. قال: وكان عيش ولده منها.
———-
65 هـجري,في هذا العام كان نجدة بن عامرالحنفي وأتباعه من الخوارج النجديين يسيطر على حَجْر (الرياض) ثم مضى إلى الخضارم(مكان بلدة اليمامة بالخرج) فنهبها،.. فغنم ذلك وقسمه بين أصحابه، فكثر جمعه)
ويبدو ان ثورة الخوارج هؤلاء كان لها مؤيدون من أهل جو كما قال الشاعر طهمان مخاطباً الخليفة مروان ومعرّضاً بأهل جو:
يدي يا أمير المؤمنين أعيذها
- لمروان والملعون منهم لعينها
وقد انتهت ثورة النجديين بهزيمتهم واستتباب الحكم الأموي مرة أخرى
وفي سنة96 هجري قامت ثورة بن أبي زينب العبقسي بهَجَر (الحسا) ضد الأمويين, لكن والي اليمامة قتله في موقعة الخضرمة في الخرج ـالتي أبلى فيها بنو تميم وبنو حنيفه بلاء حسنا.
قال الفرزدق :
لعمري لقد سلة حنيفة سلة
سيوفا أبت يوم الوغى أن تعيرا
تركن لمسعود وزينب أخته
رداءا وسربالا من الموت أحمرا
أرين الحروريين يوم لقائهم
بــبرقان يوماً يجـعل الجــو أشقرا
وبرقان يقع شرق بلدة اليمامة(الخضرمة)
واستمر اهتمام خلفاء بني أمية بتطوير الزراعة في بلاد الخرج حيث نجد أن الغمر بن يزيد بن عبدالملك ،(حوالي 126هجرية) ولي اليمامة وهو اخ للخليفة الوليد بن يزيد وكان عاقلاً عفيفاً،وقد ورد أنه أنشأ مزارع تسقى من عيون الخرج حتى سمي أحد هذه العيون سيح الغمر وبنى قربها حصناً يسمى حصن الغمر واستمر الحصن بهذا الاسم الى القرن الرابع.
حصلت بعض القلاقل مع انهيار الدولة الأموية لكن سرعان ماعادت الأمور الى مجاريها مع وصول الولاة العباسيين.
استمر مشروع زراعة اراضي الخرج منتعشاً ونحد في كتاب فتوح البلدان للبلاذري(ت279هجري): (الزبا)عين منها شرب الصعفوقة، وهى ضيعة نسبت إلى وكيل كان عليها يقال له صعفوق، وشرب الخييبة والخضرمة منها
قال ابن الفقيه (حوالي280هجري)حَجر مصر اليمامة ثم جو وهي الخضرمة وهي من حجر على يوم وليلة وبها بنو سحيم وبنو ثمامة من حنيفة.
يقول حمد الجاسر رحمه الله عن أصل كلمة جو هذه:
انه الجو الواسع الذي تقع قرية اليمامة في جنوبه الغربي وقرية السلمية في شماله وروضة السهباء شرقه والسيح بعيونه ومزارعه في جنوبه
قال نصر أيضاً:جو الخضارم باليمامة بلدٌ قديم عاديٌ وله ذكر كثير في أيام العرب وأشعارهم.وفي موضع آخر:جو الخضارم قصبة اليمامة ويقال لبلدها خضرمة ينسب اليها نفر منهم خصيف الخضرمي وعباس بن الحسين الخضرمي يروي عن الزهري
اما الخرج فكان يطلق على مايسمى الان بالدلم وما حولها من قرى والنص التالي يزيد الأمر وضوحا وهو من كتاب الطريق للقاضي وكيع(القرن الثالث) وفيه يعدد المدن الرئيسية للقادم من حجر باتجاه الجنوب
حجر وهي مدينة اليمامة وأم القرى وبها ينزل صاحب المملكة ,وحجر شركة الا ان الأصل لبني حنيفة وهي بمنزلة البصرة والكوفة,لكل قوم به خطة الا ان العدد لبني عبيد
ثم المنبر بجو بموضع من جو يقال له الخضرمةوأهلها قوم من ربيعة يقال لهم السعول
ثم المنبر الخرج واهله قيس بن ثعلبة
والمنبر بالمجازة وأهلها بنو هزان من ربيعة
————
استيلاء العلويين على الخضرمة:
في منتصف القرن الثالث(حوالي252هجري)وبعد ضعف سيطرة القبضة العباسية على الجزيرة العربية استولى احد الحسنيين على الحكم باليمامة واتخذ من بلدة الخضرمة عاصمة له ومن هنا عادت كلمة اليمامة تترادف مع الخضرمة مبتعدة عن حجر العاصمة السابقة وكان مذهب هذه الإمارة هو المذهب الزيدي.
ابن خلدون
وطول اليمامة عشرون مرحلة، وهي على أربعة أيام من مكة، بلاد نخل وزرع وقاعدتها حجر بالفتح، وبها بلد اسمه اليمامة ويسمى أيضاً جو باسم الزرقا. وكانت مقراً للملوك قبل بني حنيفة. واتخذ بنو حنيفة بعدها بلد حجر، وبقي كذلك في الإسلام
يقول ابن خلدون
:
الخبر عن دوله بني الأخيضر باليمامة من بني حسن كان موسى الجون بن عبد الله بن حسن المثنى بن الحسن السبط لما اختفى أخواه محمد وإبراهيم، طالبه أبو جعفر المنصور بإحضارهما فضمن له ذلك. ثم اختفى وعثر عليه المنصور فضربه ألف سوط،فلما قتل أخوه محمد المهدي بالمدينة اختفى موسى الجون إلى أن هلك وكان من عقبه إسماعيل وأخوه محمد الأخيضر ابنا يوسف بن إبراهيم بن موسى فخرج إسماعيل في أعراب الحجاز وتسمى السفاك سنة إحدى وخمسين ومائتين.ثم قصد مكة فهرب عاملها جعفر بسباسات، وانتهب منزله ومنازل أصحاب السلطان، وقتل جماعة من الجند وأهل مكة، وأخذ ما كان حمل للإصلاح من المال، وما في الكعبة وخزائنها من الذهب والفضة وأخذ كسوة الكعبة وأخذ من الناس نحواً من مائتي ألف دينار.
ثم نهبها وأحرق بعضها بعضاً وأقام في ذلك خمسين يوماً. ثم سار إلى المدينة فتوارى عاملها وحاصرها حتى مات أهلها جوعاً ولم يصل أحد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصل عساكر المعتز إلى المدينة فأفرج عنها، ورجع إلى مكة وحاصرها حتى جهدها الحصار، ورحل بعد مقامه شهرين إلى جدة فأخذ أموال التجار ونهب ما في مراكبهم، ورجع إلى مكة، وقد وصل إليها محمد بن عيسى بن المنصور وعيسى بن محمد المخزومي بعثهما المعتز لقتاله فتواقعوا بعرفة، واقتتلوا وقتل من الحاج نحو ألف، وسلبوا الناس وهربوا إلى مكة، وبطل الموقف إسماعيل وأصحابه، وخطب لنفسه، ثم رجع إلى جدة، واستباحوها ثانية. ثم هلك لسنة من خروجه.بالجدري آخر سنة اثنتين وخمسين أيام حرب المستعين والمعتز. وكان يتردد بالحجاز منذ اثنتين وعشرين سنة، ومات ولم يعقب، وولي مكانه أخوه محمد الأخيضر، وكان أسن منه بعشرين سنة، ونهض إلى اليمامة فملكها واتخذ قلعة الخضرمية، وكان له من الولد محمد وإبراهيم وعبد الله ويوسف، وهلك فولي بعده ابنه يوسف، وأشرك ابنه إسماعيل معه في الأمر مدة حياته. ثم هلك وانفرد إسماعيل بملك اليمامة وكان له من الإخوة الحسن وصالح ومحمد بنو يوسف. فلما هلك إسماعيل ولي من بعده أخوه الحسن، وبعده ابنه أحمد بن الحسن. ولم يزل ملكها فيهم إلى أن غلب عليهم القرامطة، وانقرض أمرهم، والبقاء لله
قلت:صحيح ان القرامطة هزموا الأخيضريين لكن الاخيضريين بقوا يحكمون بلدة الخضرمة تحت اسم القرامطة على الأقل الى منتصف القرن الخامس الهجري كما سنرى.
قال صاحب “مقاتل الطالبيين”:وقتل بناحية اليمامة جماعة منهم يقال لهم: بنوا الأخيضر، لم تقع إلينا أنسابهم. ثم استولوا عليها وعظم شأنهم فيها في عز القرامطة، وبلادهم في منعة لا يقدر معها عليهم.
نص آخرورد عن ؟المقدسي((اليمامة واد والمدينة به تسمى الخضرمة وكانت قرارا لربيعة ومضر فلما نزل عليها بنو الأخيضر جلت العرب منها الى جزيرة مصر فسكنوا بين النيل وبحر القلزم…))
الهمداني(ت340 هجري)ينقل لنا وصفاً جميلاً للدرب من الأحساء الى منطقة الخرج:
ثم تسير في السهباء ثم تقطع جبيلا قريبا يقال له أنقد ثم الروضة ثم ترد الخضرمة :جو الخضارم مدينة وقرى وسوق فيها بنو الأخيضر بن يوسف وهي دار بني عدي بن حنيفة ودار بني عامر بن حنيفة ودار عجل بن لجيم وديار هوذة بن علي السحيمي الحنفي وهي أول اليمامة من قصد البحرين
وعن يمين ذلك واد من الدام يقال له الروحان والدام قف بظهره البياض وفيه مياه منها الخويرات والثلماء والاكبشة ثم ينحدر في نخل جو وحصونه منها الغبيب وذو الاراكة والاقعس والريان والعيون والظبية،
ومن عن يسار ذلك العين التي يخرج منها السيحالكبير ومن عن يمينه المنصف وهو حصن لبني عامر بن حنيفة ثم المنيصف وهو يسقيه المنخرق منخرق نساح،
بعد وصف الخضرمة(بلدة اليمامة حالياً) ينقلنا الى وصف غرب المنطقة حيث بلدة الدلم حالياً
ثم أسفل من ذلك القرى من اليمامة الضبيعة والملحاء والخرج وهو في قنع الرمل والقنع مفضى القاع والرملة فالرملة في أصل الدام وهي تسمى رملة المغسل وبين الدام وبين الرملة اللوى وهي سكة بين القف والرمل وفي اللوى ماء يقال له السويدية في مدفع وادي المغسل وهو واد يجري من قطمان ومن جوجان ومن الشعنة بسفل الجبانة جبانة الخرج،
وهذه اليمامة حصون متفرقة ونخل ورياض وقف من عن يمينها بينها وبين نساح يقال له أكلب وهي منازل بني قيس بن ثعلبة وكانت قبل لبني سعد بن زيد مناة فغلبوا عليها،
الجميل ان أغلب هذه المسميات موجودة باسمها الضبيعة ,المنصف,نساح,والملحاء هي نعجان ولا زال بها منطقة اثرية تسمى المليحة في اسفل وادي العين كما يذكر والدي ذلك.
هذا النص الدقيق يبين لنا ان مصطلح الخرج كان يعني الدلم وماحولها من قرى واليك نص آخر من الهمداني:
والخرج قاع مثل يدك وحصون ويدفع فيه من الأودية نعام وبرك ووادي المجازة وهذه الأودية مفضاها واحد مفضى في بطن السوط الا برك النعام فإنه يفضي في ذات نصب وهو من ديار جرم وإجلة في أسفل المجازة والعرمة واسفل وادي نعام وهما جرميتان وكل هذه الأودية فيها نخل وزروع ومساكن وهي تسمى الثنايا ثنايا العارض،….. وهذه الأعراض تجيء منه وهي تدفع جميعا إلى قرارها بالروضة من جو الخضارمثم تخرج من جو فتفلق العرمة فلقا ثم الدهناء فلقا ثم تخرج حتى تصب في البحر،
وقال جرير
يا حبذ الخرج بين الدام والأدمى
فالرمث من برقة الروحان فالغرف
ومن النصوص المهمة قول الهمداني:
وقد ملك الخضرمة بعد بني عبيد من حنيفة آل أبي حفصة ثمَّ غلب عليها الأخيضر بن يوسف العلوي فسكنها، والضبيعة لبني قيس، والملحاء لبني قيس، والخرج لبني قيس،
ابن حزم (توفي465 ) قال عن الأخيضريين واليمامة : ومنهم ولاتها إلى اليوم.
شاهد عيان من القرن الخامس:
وفي القرن الخامس نجد أول اشارة الى حصر اليمامة على بلدة بعينها وهي بلدة الخضرمة فتحول من الخضرمة او خضرمة اليمامة اختصاراً الى بلدة اليمامة ونسيت كلمة جو وكلمة خضرمة وخضارم ففي سنة (442) هجري مر بهذه البلدة ناصر خسرو الرحالة الفارسي المشهور وقال
وبالاختصار بلغنا اليمامة بعد مسيرة أربعة أيام بلياليها وباليمامة حصن كبير قديم والمدينة والسوق حيث صناع من كل نوع يقعان خارج الحصن وبها مسجد جميل وأمراؤها علويون منذ القديم ولم ينتزع أحد هذه الولاية منهم إذ ليس بجوارهم سلطان أو ملك قاهر وهؤلاء العلويون ذوو شوكة فلديهم ثلاثمائة أو أربعمائة فارس ومذهبهم الزيدية وهم يقولون في الإقامة محمد وعلي خير البشر وحي على خير العمل وقيل إن سكان هذه المدينة شريفية خاضعون للأشراف وباليمامة مياه جارية في القنوات وفيها نخيل وقيل إنه حين يكثر التمر يباع الألف من منه بدينار ومن اليمامة إلى الحسا أربعون فرسخاً ولا يتيسر الذهاب إليها إلا في فصل الشتاء حين تتجمع مياه المطر فيشرب الناس منها ولا يكون ذلك في الصيف.
نلاحظ ان خسرو رغم قدومه من الجنوب لم يشر الى الدلم-الخرج ويبدو ان اليمامة هي العاصمة تلك الأيام لوجود الأخيضريين,ورغم ضعف الأخيضريين فقد تمسكوا بحكم بلدة اليمامة الى هذا القرن حتى ان ابن عمهم شريف اليمن الزيدي محمد بن جعفر ورفاقه لجأوا اليهم سنة 450 ضيوفاً هرباً من الاسماعيلية
يقول شاعرهم :
ألم تر أنا اليوم من بعد كوننا
بترج معاً كُلٌ يحاول مصدرا
أخلّاي من عليا بكيلٍ وهاشمٍ
وحام يرومون العراق وتدمرا
لقد كان مني الوجد من أجل قربهم
ومن قبل ان يروموا اليمامة أحسرا
فما لي الا الصبر اذ صرت مفردا
ببيشة لا ألقى العداة ولا أرى
متى انتهى حكم الأخيضريين؟
لا يوجد نصوص تبين لنا نهاية الأخيضريين وبلدتهم الخضرمة لكن من المحنمل انه في القرن السابع حيث امتد حكم العيونيين الى نجد ويبدو ان نهاية الأخيضريين رافقه هجرة السكان من بلدتهم وخلوها من السكان لسبب لا نعرفه .تركت البلدة بكاملها لتسفيها الرياح عبر القرون حتى غطتها الرمال …وبعد فترة من الزمن نجهلها انتعشت بلدة اليمامة مرة أخرى بقرب الخضرمة القديمة .لكن مع مضي القرون نسي السكان الجدد بلدة الخضرمة ونسوا حكامها الأخيضريين ونسي مذهبها الزيدي ولم يبق له أثر.
صور من موقع الخضرمة قرب بلدة اليمامة (الطينية)
سفت الرمل آثار الخضرمة حتى غطتها الكثبان الرملية
أحد الأسوار من الشرق
سقف أحد البيوت
مساحة الآثار تدل على كبر البلدة
كسر الفخار موجودة بكثرة على السطح
هذه البيوت خارج السياج كانت مغطاة بالرمل ثم ظهرت أساساتها مما يدل على كبر بلدة الخضرمة
وماذا بعد؟
بعد خراب الخضرمة لا ندري ماذا حدث بالضبط لكن تم انشاء اليمامة مرة أخر في موقع قريب من الخضرمة من الغرب على أقل من الميل الواحد.يبدو أن فراغ السلطة سمح لدول الأحساء القوية مثل بني عصفور والعيونيين ثم الجبريين بمد سيطرتهم على الخرج وماحوله وان كان بدرجة متفاوتة .
اقال ابن سعيد المغربي : في سنة 651هـ ـ ) سألت عرب البحرين لمن اليمامة اليوم ؟فقالوا : للعرب من قيس عيلان وليس لبني حنيفة بها ذكر. وملكوا ارض اليمامة من بني كلاب وكان ملكهم فيها لعهد 650 عصفور وبنوه
في القرن الثامن نستشف ورود الخرج على انه المركز الزراعي بدل الخضرمة:يقول ابو الفداء ابن اسماعيل صاحب”تقويم البلدان”: ت 732
(( اليمامة: واخبرني من رآها في زماننا هذا ان بها اناسا قليل ونخيل واخبرني حديثة بن عيسى وهو ممن اقام باليمامة عدة سنين – قال اليمامة لها واد يسمى الخرج وهي أسفل الوادي وبقرب اليمامةة عين ماء متسعة وماؤها يسرح, وبين الاحساء واليمامة مسيرة اربعة ايام , وأهل الاحسا والقطيف يجلبون التمر الى الخرج وادي اليمامة ويشترون بكل راحلة من التمر راحلة من الحنطة)).
وفي القرن العاشر قام شريف مكة بتوسيع حكمه وحاول اخضاع قرى الخرج, يقول المؤرخ المكي معدداً قرى الخرج:
ومن ذلك في عام تسع وثمانين وتسعمائة: سار إلى ناحية الشرق مرة ثانية لمخالفة وقعت بينهم متناهية، في جيش كثيف جرار، ومدافع كبار، تنسف الجبال وتفتح الأمصار، ففتح مدناً وحصوناً تعرف بالبديع والخرج والسلمية واليمامة، ومواضع في شوامخ الجبال تزيد على ما سبق بأمثال أمثال
1073 هـ-سنة 1073هجري في عهد امام اليمن أحمد بن القاسم الذي حاول التوسع في حكمه قام بمارسلة بعض زعماء قرى المنطقة:
يقول المؤرخ اليمني انه قام بإرسال الفقيه (أحمد الحيمي) الى أهل الأفلاج وأصحبه سيدي بن الصفي أيده الله كتباً الى يام وبني هاجر والمخضبة والمعضة والدواسر ولام وآل عثمان من اليمامة المعروفين بالخرج, ومشايخ آل حسين من اليمامة أيضاً والشيخ تركي وإخوته اليمامة و أصحبه كتاباً أيضا الى مشايخ الخديمات أهل الروضة فسار الفقيه بالكتب فما لقيه أحد من القبايل المدعوة والغير مدعوة الا بالترحيب والتكريم والتعزيز والتحشيم والدعاء للامام عليه السلام.
ولما رأى الباشا المصري خورشيد باشا عيون الخرج أثناء سيطرته على نجد سنة 1245 هجري -1838م قدّر أهميتها ,يقول ابن بشر رحمه الله :أنه أبقى رجالا من المغاربة والترك وجعلهم في عيون السيح يعمرون و يزرعون ثم رحل الى الرياض.
هذه الشواهد المقتطفة أوردناها لعلاقتها بموضوع المقال أما تاريخ اليمامة والخرج في القرون الثلاثة الأخيرة فهو مبسوط في كتب التاريخ ولا داعي لإعادة سرده في هذه الخلاصة فهدفنا نشر شذرات من مصادر متفرقة ونادرة لإلقاء الضوء على تاريخ مجهول لدى كثير من الناس رغم قرب آثاره منهم.
اول صورة فوتوقرافية التقطها فلبي لبلدة اليمامة 1918م الموافق 1336هجري
عيون الخرج:
عيون الخرج ظاهرة فريدة في منطقة صحراوية جافة وقد ورد ذكر لعيون الخرج المشهورة ويبدو ان أهمها كانت تسمى الزبّـاء حيث يقول نصر: الزباء:عين باليمامة منها شرب الخضرمة والصعفوقة.
وفي ياقوت صعفوق: وهي قرية باليمامة وقد شق منها قناة تجري منها بنهركبير قال الحفصي الصعفوقة قرية وهي آخر جو وهي آخر القرى….والزباء أيضا عين باليمامة منها شرب الخضرمة والصعفوقة لآل حفصة،
وقال عن الصعافقة أن آبائهم كانوا موالي فاستعربوا،ولعل هؤلاء الصعافقة هم ذرية الآلاف اللذين أسكنهم معاوية في الخرج لإستصلاحها وهم من قام ببناء قنوات الري القديمة.
قال العجاج :
من آل صعفوق واتباع آخر
قوله فهو ذا أي الأمر …ورجا الناس أن يتغير أمرهم من فساد إلى صلاح ومن شر إلى خير بإمارتك ونظرك في أمورهم ودفع ما دهمهم من أمر الخوارج والثؤر جمع ثؤرة وهي الثأر أي آملون أن يثأر بمن قتلت الخوارج من المسلمين وآل صعفوق من الخوارج وأشياعهم أتباعهم ويقال لبني صعفوق الصعافقة ..
-
خارطة لمنطقة الخرج عندما زارها فلبي سنة 1336هجري,وهي خارطة رائعة بدقتها اذا وضعنا في الحسبان بدائية المعدات مع فلبي وأنه زارها على ظهور الإبل .فيها حدد عين الظلع ,لاحظ اللون الأخضر حيث حدد واحات الخرج من الشمال:السلمية ثم اليمامة ثم الضبيعة ونعجان ثم المحمدي والدلم ثم قرية زميقة آخر قرى الخرج من جنوب.
تحديث شعبان 1435هجري
وماذا عن السلمية؟
اطلعت على قطعة من كتاب نزهة المشتاق للإدريسي ( ت 560هجري) حققها د. ابراهيم شوكة ورد فيها ذكر سلمية بدون ال التعريف وهذا يدل ان السلمية نشأت في القرن الخامس الهجري أو أبكر.
النص الأول حين وصف أرض اليمامة بصورة عامة قال ( وبلادها محدقة بواد يسمى افنان؟؟ وعلى هذا الوادي عمارتهم وقراهم ومدينتهم المعروفة تسمى الخضرمة وهي مدينة عامرة لها مزارع ونخيل وتمر كثير وتمرها أكثر من سائر التمر ببلاد الحجاز ومن مدنها حجر وهي الان خراب …ويتصل بها برقة وسلميّة وهما مدينتان متقاربتان في القدر والعمارة والصغر من البلاد؟)
النص الثاني قوله ويبدو انه ينقل عن راوي
(و سلمية قرية حسنة عامرة قد أحدقت بها حدايق النخل وبها تمور حسنة الالوان شهية المأكل ..)
————
عيون الخرج ومائها (لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع)
الخرج بالنسبة لكاتب الموضوع لها معزة في القلب كيف لا وهي مسقط الرأس ومراتع الصبا ,كانت عيون الخرج هي المنتزه والمسبح لأهالي الخرج وزوارها ,لكن ما حصل لها الان شيء مؤلم جداً يوجع القلب ويقلق الانسان,ان انخفاض مستوى الماء المستمر حتى صارت هذه العيون قاعاً صفصفاً يجعلنا نفكر أين ذهبت هذه الكميات من الماء,ذهبت في سنابل قمح أكلناها وأعلاف مضغتها الحيوانات,ثم ماذا أين الماء ؟!
والمؤلم أكثر هو استمرار هذا النزف الى الآن كما شاهدناه في مزارع السهباء ويبرين والسر وشمال القصيم… كلما انخفض الماء حفروا في باطن الأرض لتسحبه المضخات ليل نهار,كلنا أمل ان يتوقف هذا العبث الذي لا طائل منه وأن نحفظ مائنا دئبا لسنين عجاف والله المستعان.ً
عين سمحة تقع 250 م عن عين ام خيسة وقدر عمقها 128 م ولم تكن تضخ الماء.
عيم أم خيسة:
عين أم خيسة كانت تسيح على الأرض_عدسة فلبي 1336هجري وتقع غرب عين الضلع بكيلوين وفي عام 1392 هجري قدر عمقها 14 متراً.
عين الضلع بعدسة فلبي 1336هجري. هذه هي العين الرئيسية في الخرج وكانت الميته تجري منها في قنوات مكشوفة في عهود قريبة ثم درستها ارامكو وقدرت عمق الماء فيها 142متر وتم تركيب اربع مضخات لسحب الماء وفي سنة 1392 هجري كانت العين تضخ تسعة آلاف جالون في الدقيقة!!
صورة من ارشيف ارامكو
photographer, Keith Wheeler 1961
عين الضلع
أين ذهب الماء؟
عين الضلع قاعاً يابس!
——–
كمية التوسع الزراعي
الخرج 1972م
الخرج 1990م
تم بحمد الله
وكتب :عبدالله بن عبدالعزيز السعيد
——————————-
مواضيع متعلقة:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق